اخبار كندا : أظهرت آخر الإحصاءات أنّ في شرق وجنوب شرق آسيا، هناك عدد من البلدان التي سجلت معدلات إصابات ووفيات بفيروس “كورونا” أقل بكثير من تلك الموجودة في الغرب، مثل دول أميركا الشمالية وأوروبا.
هذا ليس من قبيل الصدفة، لأنّ الأرقام تبيّن جلياً التباين، بحيث حتى 26 تموز/يوليو الماضي، أبلغت الصين (1.4 مليار مواطن)، عن ما مجموعه 83830 إصابة، و4634 حالة وفاة، بمعنى 3 حالات وفاة لكل مليون شخص.
والصين ليست البلد الوحيد في شرق آسيا التي سجلت أرقام وفيات منخفضة مقابل الإصابات، ففي اليابان وكوريا الجنوبية هناك ما بين 6 إلى 8 وفيات لكل مليون شخص، بينما سجلت تايوان 0.3 حالة وفاة لكل مليون شخص، وسنغافورة 5 لكل مليون، وتايلند 0.8 لكل مليون، في حين أبلغت فيتنام بشكل مذهل عن وفاتها الأولى قبل عدّة أيام، وهذا أداء مذهل من جانب مجتمعات شرق آسيا.
أما عند مقارنة الأرقام بالدول الغربية، تظهر الكارثة، فالولايات المتحدة (331 مليون مواطن ومقيم)، سجلت أكثر من 4.3 مليون إصابة و149400 حالة وفاة، بمعدل وفاة 451 لكل مليون شخص. لذا، فإنّ دولة فيها أقل من 5% من سكان العالم مسؤولة عن أكثر من ربع الإصابات في العالم، و23% من وفياتها.
بعض الدول الأوروبية الأخرى كان عدّاد إصاباتها ووفياتها مرتفعاً أيضاً، فسجلت المملكة المتحدة 674 حالة وفاة لكل مليون شخص، إسبانيا 608، فرنسا 462، ألمانيا 110.. ولا ننسى كندا 235 لكل مليون.
فما الذي يفسر هذا الاختلاف الكبير بين الشرق والغرب في ما يتعلق بمقارنة إصابات Covid 19 بمعدل وفياته؟!
للإجابة على هذا السؤال، لا بُدَّ من الأخذ بعين الاعتبار أساساً، القيم المجتمعية، بحيث يركز الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص على الفرد وحقوق وحريات وإنجازات الرجال والنساء، فيما في المجتمع الكونفوشيوسي يتم التركيز على المجتمع، ويتم تعليم الفرد كيفية وضع مصالح المجموعة قبل اهتماماته.
وفي المجتمعات الكونفوشيوسية تأكيد على ضرورة الانسجام والانضباط، مقرونة بربط الحقوق عموماً بالمسؤوليات، فقد حدّد كل من الدستور الصيني والأميركي حماية الحقوق، على الرغم من أن التنفيذ يختلف تماماً في البلدين، لأن الدستور الصيني ربط بشكل واضح وصريح بين الحقوق والمسؤوليات، فعلى سبيل المثال، تنص المادة 51 على ما يلي: “لا يجوز لمواطني جمهورية الصين الشعبية، في ممارسة حرياتهم وحقوقهم، التعدي على مصالح الدولة أو المجتمع أو الجماعة، أو على الحريات والحقوق القانونية للمواطنين الآخرين”.
بالتالي، يجب ممارسة الحقوق بطريقة مسؤولة، بحيث تخضع حقوق الفرد لحقوق المجتمع، بينما في الولايات المتحدة، أكد الأشخاص الذين رفضوا ارتداء قناع ما حقّهم في القيام بما يحلو لهم، بغض النظر عن العواقب على صحّتهم أو رفاه الآخرين. وقد تم الدفاع عنهم من قِبل نائب الرئيس مايك بنس، رئيس فرقة عمل البيت الأبيض للفيروس التاجي.
فقد ردَّ بنس في مؤتمر صحفي على سؤال حول ارتداء القناع بقوله: “حتى في أزمة صحية، لا يفقد الشعب الأميركي حقوقه الدستورية”، أي أنّ أي أميركي لديه الحق في عدم ارتداء القناع، حتى ولو كان هذا الأمر يعرّض صحة الآخرين للخطر، من هنا يبدو جلياً أنّ الحقوق الفردية تتفوّق على الحقوق الجماعية.
وختاماً، من المثير للاهتمام أن العلاقة بين مسببات الأمراض والمجتمعات الفردية أو الجماعية قد تمت دراستها علمياً، ونشر نتائج الدراسة في المجلة العلمية Proceedings of the Royal Society B في عام 2008، فقد كان استنتاج الدراسة الذي توصل إليه كوري ل. فينشر وزملاؤه هو أن “انتشار مسببات الأمراض له علاقة إيجابية قوية بالمؤشرات الثقافية للجماعية وارتباط سلبي قوي بالفردية”.
المصدر : “غلوب أند ميل”